فصل: تفسير الآيات (112- 113):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآيات (112- 113):

{قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)}
يعني: ما دام الحساب على ربي وهم يريدون الإيمان، فلابد أنْ يأخذوا جزاءهم وافياً {لَوْ تَشْعُرُونَ} [الشعراء: 113].

.تفسير الآية رقم (114):

{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)}
وقد طلبوا منه أن يطرد هؤلاء المؤمنين من مجلسه ليُجلِسهم هم، وفي آية أخرى قال سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} [الأنعام: 52].

.تفسير الآية رقم (115):

{إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)}
فمَنْ يسمع إنذاري، ويسمع بشارتي، ويأتي مجلسي، فعلى عيني أرافقه. فالله ما أرسلني لأخص ذوي الغنى دون الفقراء بمجلسي، إنما أرسلني لأبلغكم ما أرسلت به، فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله، وإن كان فقيراً.

.تفسير الآية رقم (116):

{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)}
وهكذا أعلنوا الحرب على نبي الله نوح، يقولون: لا فائدةَ من تحذيرك، وما زِلْتَ مُصِراً على دعوتك {لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ} [الشعراء: 116] عما تدعيه من الرسالة، وما تقول به من تقوى الله وطاعته، وما تفعله من تقريب الأرذلين إلى مجلسك، لتكوِّن جمهوراً من صغار الناس.
{لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} [الشعراء: 116] أي: إذا لم تنتهِ فسوف نرجمك، إنه تهديد صريح للرسول الذي جاءهم من عند الله يدعوهم إلى الخير في الدنيا والآخرة.
كما قال سبحانه: {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
وهذا التهديد منهم لرسول الله يدلُّ على أنهم كانوا أقوياء، وأصحابَ جاه وبطْشٍ.

.تفسير الآيات (117- 118):

{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)}
تأمل هنا أدب نوح عليه السلام حين يشكو قومه إلى الله ويرفع إليه ما حدث منهم، كل ما قاله: {إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} [الشعراء: 117] ولم يذكر شيئاً عن التهديد له بالرجم، وإعلان الحرب على دعوته، لماذا؟ لأن ما يهمه في المقام الأول أن يُصدِّقه قومه، فهذا هو الأصل في دعوته.
وقوله: {فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} [الشعراء: 118] الفتح في الشيء إما: حسياً وإما معنوياً، فمثلاً الباب المغلَق بقُفْل نقول: نفتح الباب: أي نزيل أغلاقه.
فإنْ كان الشيء مربوطاً نزيل الأشكال ونفكّ الأربطة.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف: {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} [يوسف: 65] أي: أزالوا الرباط عن متاعهم، هذا هو الفتح الحسِّيّ.
أما الفتح المعنوي فنُزيل الأغلاق والأشكال المعنوية ليأتي الخير وتأتي البركة، كما في قوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} [الأعراف: 96].
وفي آية أخرى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: 2].
والخير الذي يفتح الله به على الناس قد يكون خيراً مادياً، وقد يكون عِلْماً، كما في قوله تعالى: {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} [البقرة: 76].
أي: من العلم في التوراة، يخافون أن يأخذه المؤمنون، ويجعلوه حجة على أهل التوراة إذا ما كان لهم الفتح والغَلَبة، فمعنى: {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} [البقرة: 76] أي: بما علَّمكم من علم لم يعلموه هم.
وقد يكون الفتح بمعنى الحكم، مثل قوله سبحانه: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} [الأعراف: 89].
ويكون الفتح بمعنى النصر، كما في قوله تعالى: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} [النصر: 1].
ثم يقول نوح عليه السلام: {وَنَجِّنِي} [الشعراء: 118] من كيدهم وما يُهدِّدونني به من الرَّجْم {وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين} [الشعراء: 118] لأن الإيذاء قد يتعدّاه إلى المؤمنين معه، وتأتي الإجابة سريعة: {فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ}

.تفسير الآية رقم (119):

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)}
وقد وردتْ قصة السفينة في الأعراف، وفي هود، ولنوح عليه السلام سورة خاصة هي سورة نوح مثل سورة محمد؛ ذلك لأن له في تاريخ الرسالات ألف سنة إلا خمسين عاماً، ويستحق أنْ يخصَّه الله تعالى بسورة بأسمه.
لذلك عندما يكرر أحد الناس لك الكلام، ويُعيده عليك، تقول له(هيَّه سورة)، فكلام العامة والأُميين له أَصْلٌ من استعمال اللغة.
وفي موضع آخر ذكر الحق تبارك وتعالى قصة صُنْع السفينة في قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الفلك وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ} [هود: 38] وهذا دليل على أنها كانت أول سفينة يصنعها الإنسان، وقد صنع نوح سفينته بأمر الله ووحيه وتحت عينه تعالى، وفي رعايته: {واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37].
وما كان الله تعالى ليُكلِّفه بصُنْع السفينة ثم يتركه، إنما تابعه، حتى إذا ما حدث خطأ نبَّهه إليه من البداية، كما قال تعالى لسيدنا موسى: {وَلِتُصْنَعَ على عيني} [طه: 39].
وبمثل هذه الآيات نردُّ على الذين يقولون: إن الله تعالى زاول سلطانه في مُلْكه مرة واحدة فخلق الخَلْق، ثم ترك القوانين تسيره، ولو كان الأمر كذلك لوجدنا العالم كله يسير بحركة(ميكانيكية)، لكن ظواهر الكون وما فيه من معجزات تدلُّ على قيوميته تعالى على خَلْقه.
لذلك يقول لهم: ناموا ملء جفونكم، فإن لكم رباً لا ينام، كيف لا وأنت إذا استأجرتَ حارساً لمنزلك مثلاً تنام مطمئناً اعتماداً على أنه يَقِظ؟ وكيف إذا حرسك ربُّك عز وجل الذي لا تأخذه سِنَة ولا نَوْمٌ؟ وأَلاَ يدلُّ ذلك على قيوميته تعَالى؟
هذه القيومية التي تنقضُ العزائم، وتفسَح القوانين، قيومية تقول للنار كوني برداً وسلاماً فتكون، وتقول للماء: تجمَّد حتى تكون جبلاً فيتجمد، تقول للحجر: انفلق فينفلق.. ولو كان الأمر(ميكانيكياً) كما يقولون لما حدث هذا، ولما تخلَّف قانون واحد من قوانين الكون.
والمشحون: الذي امتلأ، ولم يَبْقَ به مكان خَالٍ، فكانت السفينة مشحونة بما حمل فيها، لأنها صُنِعَتْ بحساب دقيق، لا يتسع إلا لمن كُلِّف نوح بحملهم في سفينته، وكانوا ثمانين رجلاً وثمانين امرأة ومن كل حيوان زوجين اثنين.
والفلك المشحون يُطلَق ويُراد به الواحدة، ويُطلَق ويراد به الجماعة كما في قوله سبحانه: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22].

.تفسير الآية رقم (120):

{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)}
وهم الكافرون الذين لم يركبوا معه، و{بَعْدُ} [الشعراء: 120] أي: بعد ما ركب من ركب، وبعد {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 11- 12].

.تفسير الآية رقم (121):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)}
والآية: الأمر العجيب الذي يجب الالتفات إليه والاعتبار به، لكن مَنْ سيعتبر بعد أنْ غرق الباقون؟ سيعتبر بهذه الآية المؤمنون الذين ركبوا السفينة حين يروْنَ نتيجة التكذيب، ومصير المكذِّبين الكافرين.

.تفسير الآية رقم (122):

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)}
أي: ورغم كُفْرهم وتكذيبهم، ورغم أنه ما كان أكثرهم مؤمنين، فالله تعالى هو العزيز الذي يَغْلِب ولا يُغْلَب، وهو سبحانه الرحيم بعباده الذي يتوب على مَنْ تاب منهم.
ثم ينتقل السياق إلى قصة أخرى في موكب الأمم المكذِّبة: {كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين}

.تفسير الآية رقم (123):

{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)}
وقال هنا أيضاً {المرسلين} [الشعراء: 123] لأن تكذيب رسول واحد تكذيبٌ لكل الرسل؛ لأنهم جميعاً جاءوا بقواعد وأصول واحدة في العقائد وفي الأخلاق.
وعاد: اسم للقبيلة، وكانت القبائل تُنسَب إلى الأب الأكبر فيها، ولصاحب الشهرة والنباهة بين قومه، فعاد هو أبو هذه القبيلة، وقد يُطلَق عليهم بنو فلان أو آل فلان، ثم يذكر لنا قصتهم، ومتى كان منهم هذا التكذيب: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ}

.تفسير الآية رقم (124):

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124)}
قلنا: إن(أَلاَ) للحثِّ والحضِّ، وحين يُنكّر النفي {أَلاَ تَتَّقُونَ} [الشعراء: 124] فإنه يريد الإثبات فكأنه قال: اتقوا. وقال {أَخُوهُمْ} [الشعراء: 124] ليرقق قلوبهم ويُحنِّنهم إليه، وليعرفوا أنه واحد منهم ليس غريباً عنهم، فهو أخوهم، والأخ من دَأبه النُّصْح والشفقة والرحمة، وهذا إيناس للخَلْق.

.تفسير الآيات (125- 126):

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126)}
وهذه المقولة لازمة من لوازم الرسُل في دعوتهم، سبق أنْ قالها نوح عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127)}
قلنا: إن هذه العبارة أول مَنْ قالها نوح عليه السلام ثم سيقولها الأنبياء من بعده. لكن: لماذا لم يقل هذه العبارة إبراهيم؟ ولم يقُلْها موسى؟
قالوا: لأن إبراهيم عليه السلام أول ما دعا دعا عمه آزر، فكيف يطلب منه أَجْراً؟ وكذلك موسى عليه السلام أول دعوته دعا فرعون الذي ربَّاه في بيته، وله عليه فضل وجميل، فكيف يطلب منه أجراً، وقد قال له: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء: 18].
لذلك لم تأْت هذه المقولة على لسان أحد منهما.
وقال: {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} [الشعراء: 127] لأن الربَّ هو الذي يتولَّى الخَلْق بالبذْل والعطايا والإمداد. وقلنا: إن عدم أخذ الأجر ليس زُهْداً فيه، إنما طمعاً في أنْ يأخذ أجره من الله، لا من الناس.
ثم يتوجّه إليهم ليُصحِّح بعض المسائل الخاصة بهم: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ}

.تفسير الآية رقم (128):

{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)}
وهذه خصوصية من خصوصيات قوم هود، والرِّيع: هو المكان المرتفع، لذلك بعض الناس يقولون: كم رِيع بنائك؟ يعني: ارتفاعه كم متراً، فكأن الارتفاع يُثمِّن البقعة، ويُطلق الريع على الارتفاع في كل شيء.
وكلمة {آيَةً} [الشعراء: 128] بعد {أَتَبْنُونَ} [الشعراء: 128] تعني: القصور العالية التي تعتبر ِآيةً في الإبداع وجمال العمارة والزخرفة والفخامة والاتساع والرِّفْعة في العُلُو.
وقال {تَعْبَثُونَ} [الشعراء: 128] لأنهم لن يخلُدوا في هذه القصور، ومع ذلك يُشيِّدونها لتبقى أجيالاً من بعدهم، فعدّ هذا بعثاً منهم؛ لأن الإنسان يكفيه أقلّ بناء ليأويه فترة حياته.
أو {تَعْبَثُونَ} [الشعراء: 128] لأنهم كانوا يجلسون في شُرفات هذه القصور يصدُّون الناس، ويصرفونهم عن هود وسماع كلامه ودعوته التي تَلْفِتهم إلى منهج الحق.
ونحن لم نَرَ حضارة عاد، ولم نَرَ آثارهم، كما رأينا مثلاً آثار الفراعنة في مصر؛ لأن حضارة عاد طمرتْها الرمال، وكانوا بالجزيرة العربية في منطقة تُسمَّى الآن بالرَّبْع الخالي؛ لأنها منطقة من الرمال الناعمة التي يصعب السير أو المعيشة بها، لكن لكي نعرف هذه الحضارة نقرأ قوله تعالى في سورة الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العماد التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد} [الفجر: 68].
وما دامت لم يُخلَق مثلها في البلاد، فهي أعظم من حضارة الفراعنة التي نشاهدها الآن، ويفد إليها الناس من كل أنحاء العالم ليشاهدوا الأهرام مثلاً، وقد بنيت لتكون مجرد مقابر، ومع تقدُّم العلم في عصر الحضارة والتكنولوجيا، ما زال هذا البناء مُحيِّراً للعلماء، لم يستطيعوا حتى الآن معرفةَ الكثير من أسراره.
ومن هذه الأسرار التي اهتدَوْا إليها حديثاً كيفية بناء أحجار الأهرام دون ملاط مع ضخامتها، وقد توصَّلوا إلى أنها بُنيَتْ بطريقة تفريغ الهواء مما بين الأحجار، وهذه النظرية تستطيع ملاحظتها حين تضع كوباً مُبلّلاً بالماء على المنضدة مثلاً، ثم تتركه فترةً حتى يتبخر الماء من تحته، فإذا أردتَ أن ترفعه من مكانه تجده قد لصق بالمنضدة.
وليس عجيباً أنْ تختفي حضارةٌ، كانت أعظم حضارات الدنيا تحت طبقات الرمال، فالرمال حين تثور تبتلع كل ما أمامها، حتى إنها طمرتْ قبيلة كاملة بجِمالها ورجالها، وهذه هبة واحدة، فما بالك بثورة الرمال، وما تسفوه الريح طوال آلاف السنين؟
وأنا واثق من أنهم إذا ما نبشوا هذه الرمال وأزاحوها لوجدوا تحتها أرضاَ خصبة وآثاراً عظيمة، كما نرى الاكتشافات الأثرية الآن كلها تحت الأرض، وفي فيينا أثناء حفر أحد خطوط المجاري هناك وجدوا آثاراً لقصور ملوك سابقين.
وطالما أن الله تعالى قال عن عاد: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} [الشعراء: 128] فلابد أن هناك قصوراً ومبانيَ مطمورة تحت هذه الرمال.